قالت هيلين كيلر: “إن أجمل الأشياء في العالم لا يمكن رؤيتها أو حتى لمسها؛ يجب أن تشعر بها في قلبك.
مقدمة من الكاتب
كنت أقوم ببحث حول موضوع (الإيمان، الإلحاد، العلم) ونظر العلماء في مجالاتهم المختلفة إليه، وبينما كنت أغوص هنا وهناك وجدت اسم هذا العالم الفرنسي “ألكسيس كاريل”. تعرفت على كتابه “الرجل المجهول” وأثناء تصفحي لمحتواه وجدت كلمات لفتت انتباهي كثيرا وأيقظت في ذهني أسئلة وقضايا قديمة جدا كنت قد درستها لسنوات وبحثت عنها سنين.
ومهما كتب الإنسان عن هذه القضايا الدينية أو الفلسفية فلن يكون الأفضل ولن يأتي بجديد. وهذا مستحيل بالفعل. تحدثت ملايين الكتب الدينية والفلسفية المختلفة عن الدين والإنسانية والأخلاق والعلم. ورغم كثرة هذه الكتب إلا أن العالم ما زال يعاني من الجهل بهذه القضايا. هل هي التكنولوجيا؟ هل هو مختلف جدا؟ هل سئم الناس من كل هذا؟
لم أكن أرغب في الكتابة عن الموضوع، فتخصصي الأكاديمي كان علمي وفني، ولكن كما ذكرت من قبل، خلال أيام دراستي الجامعية أوليت اهتماما كبيرا لدراسة هذه المواضيع الدينية والفلسفية، وفي تلك الأيام كتبت مقالا مقال عن الملحدين ونظرتهم للمرأة. ثم بعد التخرج قررت أن يكون بحثي أركز أكثر على تخصصي، لتطوير نفسي وخدمة الآخرين، وبعد قراءة كلام أليكسيس كاريل صدمت، فأخذت قلمي لأعبر عن رأيي، قائلا لنفسي : لا يمكن أن يمر كلامه هكذا. أعزائي.”
نظرية الكسيس كاريل
يقول ألكسيس كاريل، الحائز على جائزة نوبل في الطب: «إن مشكلة العدد الهائل من المشوهين والمجرمين لا تزال دون حل. وهم يشكلون عبئا ثقيلا على بقية السكان، الأمر الذي ظل طبيعيا. وقد سبق أن أشرنا إلى المبالغ الفلكية المطلوبة الآن لصيانة السجون والمستشفيات وحماية الجمهور. من عصابات اللصوص والمجانين، لماذا نحافظ على الكائنات الضارة وغير المفيدة؟ إن وجود ما هو غير طبيعي يمنع نمو الطبيعي، لذا يجب علينا أن نواجه هذه الحقيقة بشجاعة…
ويواصل كاريل: لماذا لا يتخلص المجتمع من المجرمين والمجانين بطريقة اقتصادية أكثر؟ ولا نستطيع أن نستمر في فصل المسؤول عن غير المسؤولين، ومعاقبة المجرمين، والعفو عن أولئك الذين يُعتقد أنهم أبرياء أخلاقياً على الرغم من ارتكابهم جريمة. نحن غير قادرين على الحكم على الناس، ولكن يجب حماية المجتمع من العناصر المشاغبة والخطيرة. فكيف يمكننا أن نفعل ذلك؟
ويتابع كاريل: بالطبع، لن يتم ذلك من خلال بناء سجون أكبر وأكثر راحة، ولن تتحسن الصحة الحقيقية من خلال إنشاء المزيد من المستشفيات العلمية الضخمة. بل يمكن الوقاية من الجريمة والجنون من خلال معرفة الناس بشكل أفضل، وتحسين الولادات، وإحداث تغييرات في التعليم والظروف الاجتماعية، وفي هذه الأثناء يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة. المجرمين لهم علاج فعال.. وربما يكون من الأفضل إلغاء السجون واستبدالها بمؤسسات أصغر وبتكاليف أقل. ومن الممكن أن يكون تكييف المجرمين المنحطين بالسوط أو أي إجراء علمي آخر تتبعه فترة قصيرة في المستشفى كافياً لتعزيز الأمن. أما القتلة… فاللصوص المسلحون وخاطفو الأطفال الذين يخدعون الفقراء، ويحرمونهم مما كسبوه، ويخدعون الجمهور في أمور مهمة، يجب القضاء عليهم بطريقة أكثر إنسانية وأقل تكلفة، وذلك بقتلهم بالطريقة المناسبة. الغازات في المؤسسات الصغيرة المعدة لهذا الغرض. ومثل ذلك يمكن تطبيقه على المجانين والمجرمين.[1].
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء نظرية ألكسيس كاريل؟
ولا شك أن “كاريل”، ومن خلال دراسة حياته وتتبع أقواله، يتبين للباحث تأثره بالداروينية ومفهوم “البقاء للأصلح” والحفاظ على نسل قوي معتدل، ولا يختلف اثنان في هذا الأمر، خاصة إذا أضف إلى ذلك تعامله خلال الحرب العالمية مع الألمان بقيادة هتلر، الذي تبنى هذه النظريات والمفاهيم وطبقها على أرض الواقع بعد تأثره بداروين، ونيتشه، شوبنهاور وآخرون.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يعتبر داروين ونيتشه وشوبنهاور وكاريل علماء وفلاسفة ويعتبر هتلر قاتلاً؟ بينما لم ينفذ إلا ما قالوا قطعة قطعة.
وتحدث كاريل عن قتل المجانين والمجرمين بالغاز، وعن تخصيص أماكن محددة لقتلهم. هل تتذكر شيئا؟ نعم، هي أماكن للإبادة الجماعية أنشأها هتلر تسمى “غرف الغاز”. وهو برنامج يسميه النازيون برنامج القتل الرحيم !!!
وتعقد الندوات والمؤتمرات لإلغاء عقوبة الإعدام وإنهائها نهائيا، وما زالت هذه النظريات تدرس وما زالت هذه الكتب تتجول في المكتبات، ولا تزال أكبر وأعظم دولة في عصرنا لديها بعض الدول التي تطبقها. ولن أخوض في تفاصيل هل بعض المجرمين يستحقون أو لا يستحقون القتل، لكن سؤالي هو لماذا هذه الكيل بمكيالين؟ لماذا يوصف بعض الأشخاص بالمتخلفين عندما يطبقون عقوبة الإعدام على بعض المجرمين، بينما يوصف أشخاص آخرون بالعلم والعبقرية عندما يطبقون نفس العقوبة، ولماذا التمييز بين المنظر والفاعل؟ وللعلم فإن إعدام المجرمين في غرف الغاز معروف في الولايات المتحدة الأمريكية. أول شخص يتم إعدامه في غرفة الغاز في الولايات المتحدة كان “جي جون” في 8 فبراير 1924 في ولاية نيفادا. وكان آخر شخص أُعدم بالغاز هو الألماني “والتر لاغراند” في مارس/آذار 1999 في ولاية أريزونا.[2].
إقرأ أيضاً:
استنتاج المؤلف حول النظرية
وقد أثبت بعض المعاقين والذين يعانون من بعض الأمراض النفسية أنهم يستحقون الحياة. لا يمكننا التدخل في حياة الآخرين بهذه الطريقة اللاإنسانية لإنهائهم بحجة أنهم يؤخروننا. إنهم لم يؤذوا أحداً في الواقع، ولكن من الممكن أن يكون المجتمع هو الذي ألحق بهم الأذى وجعلهم يفعلون ذلك. كل هؤلاء يستحقون العيش. ولم يؤذوا أحداً، ويمكن أن تحدث الإعاقة الجسدية والعقلية بعد الصحة والعافية. فمثلاً كيف يمكن أن يُقتل شخص كان يخدم وطنه في الحرب وتعرض لانفجار قطعت فيه يديه؟ وقدميه ولم يمت، إلا أنه يُقتل بعد ذلك لأنه أصبح غير لائق.
إن الرحمة التي أودعها الله تعالى في خلقه لا بد أن تظهر وتظهر، ومن أعظم مظاهر رحمة الإنسان عندما تكون لأخيه الإنسان، ورحمة القوي للضعيف، ورحمة الكبير للصغير. . يجب أن نفكر بحلول حقيقية لمساعدة هؤلاء المجانين والمعاقين بدلاً من التفكير في… استئصالهم. الأطفال المصابون بمتلازمة داون لم يدرسوا أو يتعلموا كما يفعل المكفوفون والصم والمعاقون جسديا، ولكن بمساعدة الآخرين (الأصلح) تطور هؤلاء الأشخاص كثيرا. ومنهم كثير ممن خدموا العالم في العلوم الدينية والدنيوية: عبد العزيز بن باز، حمود بن عقلة الشعيبي، هيلين كيلر، جون ناش، فان جوخ، طه حسين، كريستي براون، جان دومينيك بوبي، نيك. فوتش..
لا يحتاج الإنسان إلى التطور في الأمور المادية فقط. ليس هو شجرة تريد أن تعلو ولا تهتم بما حولها، ولا هو الماء الذي يبحث من داخل الأرض عن مخرج فينفد أينما وجده. الإنسان كائن حي له عقل ومشاعر. يجب أن يشعر ويتعاطف ويحب ويشجع. ولكي يبقى الإنسان بلا أخلاق ومشاعر فهو في الحقيقة مجرد جماد.
مراجع:
[1]- ألكسيس كاريل، ترجمة شفيق أسعد فريد، الرجل المجهول، ص355-356.
[2]- ميشال حنا، 30 طريقة للموت، ص. 85.
شاهد أيضاً..