بنيان

وبما أن الهندسة المعمارية فن، والفن يكتنفه الغموض، فإن الهندسة المعمارية غامضة إلى أقصى الحدود.

عندما يدرس الباحثون جانبا محددا من هذا الفن يجدون أنفسهم قادرين على فهم الأشياء بحكم دراستهم وتخصصهم، ولكن عندما يحاولون شرحه للشخص العادي يجد بعضهم عوائق أمام تحقيق ذلك.

الحديث عن أهمية الهندسة المعمارية في حياتنا أمر مهم للغاية وقليل من الناس يتحدثون عنه، وهو سؤال صعب لا يجيب عليه إلا القليل من الناس. لذلك يجب أن نجيب عليه بعيدا عن التعقيدات التقنية والآراء الفلسفية.

إقرأ أيضاً:

أهمية الهندسة المعمارية

نحاول هنا أن نوضح للشخص العادي أهمية الهندسة المعمارية في حياة الناس، ودورها ومزاياها في المجتمعات النامية…

1- الاستجابة للفطرة وتوفير الأمان:

إن الأهمية الأولى للهندسة المعمارية، بلا شك، هي توفير السلامة.

تخيل أنك في غابة بها أنهار وأشجار وطبيعة جميلة، ومع غذائك اليومي، ما هو أول شيء سيخطر ببالك؟ ما الذي سيقلقك؟ .. أعتقد أن الكثير منا فكر في مكان يأوي إليه في تلك الأرض الشاسعة الشاسعة.

يدرك الإنسان بفطرته أهمية العمارة، فيستجيب لها ويتناغم معها.

ومن ينظر إلى الحيوانات التي لا عقل لها يجد أنها صنعت لأنفسها بيوتاً. وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى: “وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون”.

يقول الله تعالى عن العنكبوت: “”إنها اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت”.”

ويقول الله تعالى: «قالت النملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون».

ومن ينظر إلى السلحفاة يجد أن الله تعالى خلق لها بيتاً على ظهرها، كالحلزون.

ومن ينظر إلى الطبيعة يستنتج أنها صممت بطريقة تسمح للإنسان بالاستجابة لرغبته في السكن دون صعوبة. وأعدت له الكهوف والمغارات والأشجار العالية المظللة والحجارة العملاقة الكبيرة.

الإنسان، مثل الحيوان، حاول بشكل غريزي الاستجابة لطبيعته والسكن في هذه الأماكن.

هرم ماسلو

قسم عالم النفس أبراهام ماسلو احتياجات الإنسان إلى خمسة أقسام على شكل هرم يسمى هرم ماسلو، وهو هرم لا ينتقل فيه الإنسان من قسم إلى آخر إلا بعد إشباع القسم الأول.

القسم الأول يتكون من الأمور الفسيولوجية مثل الأكل والشرب والتنفس والجنس. إلخ.

ثم يأتي القسم الثاني وهو قسم السلامة مثل السلامة الجسدية من الاعتداء والعنف، والأمن الوظيفي، والأمن العائلي.

وهنا تظهر أهمية العمارة والعمارة وتعطي الأمان للإنسان.

وعندما كان في الكهوف أعطته الأمان، فلم يخاف من قسوة الطقس أو الحيوانات البرية، ثم أمان أكثر عندما بنى البيوت وتجمع مع بني جنسه، فشعر بالقوة والاطمئنان، ثم بعد ذلك أصبح آمنا. خلال الحروب التي حدثت بين البشر بعد أن قام ببناء الحصون والقلاع.

2- شهادة التاريخ وشواهد التفوق:

يعتقد المؤرخون أن العمارة هي خير شاهد على التاريخ، وهنا تأتي أهمية العمارة في ذلك، فهي تلك الشهادة التي يستحيل كذبها.

فالرجل الذي يمسك القلم ويريد أن يكتب التاريخ قد يتأثر بأحداثه ويميل قلمه في اتجاه واحد، وهذا ملحوظ. وكما قيل، كيف يمكننا أن نصدق التاريخ ونحن نرى الحاضر مزيفاً أمام أعيننا؟

العمارة شاهدة على الماضي..

ولذلك فإن العمارة هي شاهد تاريخي من نوع آخر. فمثلا هناك فرق بين أن نجد كتابا فرعونيا يذكر فيه أن الفراعنة كانوا متقدمين في فن العمارة، وبين أن نرى بأعيننا تلك الأهرامات التي نلمسها ونتحسسها حولنا. ومن المستحيل أن يقول أحد إن الفراعنة لم يكونوا متميزين في العمارة أو أنهم لم يتقنوا الهندسة، لكن شهادة الشاهد قد تكون مليئة بالشك والريبة.

إذا رأى الإنسان الأهرامات يعرف قوة ومدى تطور الحضارة الفرعونية، وإذا رأى أهرامات البربر يعرف مدى تطور تلك الحضارة أيضاً، وإذا رأى الإغريق والرومان مباني المدن والمسارح والمعابد، فهو يعرف مدى التنوع الثقافي لهذه الحضارات. يقول مالك بن نبي، الفيلسوف الجزائري: “الحضارة بناء”. والهندسة المعمارية.”

وقد ذكر المؤرخون أنه بعد فتح المسلمين لفارس أراد الحاكم هدم إيوان كسرى، فسأل أحد المختصين واستشاره في الأمر، فنصحهم بعدم هدمه. ولم يؤخذ كلامه في الاعتبار وحاولوا هدم الإيوان لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. لقد تم بناؤه بطريقة متينة، وبرزت من خلال ذلك البناء قوة تلك الحضارة. وفي هذا يقول الفيلسوف هيغل: “إن تقييم الحضارات يكون من خلال عمارتها”.

العمارة شاهدة على الحاضر..

إننا نرى بأم أعيننا التفوق الكبير الذي حققته الحضارة الغربية في مجال الهندسة المعمارية. وستبقى هذه المباني في المستقبل شاهدا واضحا على تفوقها وتطورها الحضاري.

3- تسهيل الحياة والبحث عن الأفضل:

أصبحت الهندسة المعمارية وسيلة فعالة جدًا لحياة الإنسان، خاصة مع التطور التكنولوجي الذي يحدث. الجسور التي تعبر الأنهار، والبحيرات، وحتى البحار، والطرق التي تسهل المواصلات، والمستشفيات، والمطارات، والمتاحف، والمنازل، والمدارس. لقد أصبحت حياة الإنسان ترفاً.

ولا تزال الهندسة المعمارية تتطور أكثر وتبحث عما هو أفضل للإنسان وللطبيعة أيضاً. ولا يقتصر الأمر على الإنسان فقط، بل إن العمارة بدأت ترغب في الحفاظ على الطبيعة، أكثر من ذلك، لخدمتها. كانت الهندسة المعمارية في وقت ما، ولا تزال، بالنسبة للبعض، تحل محل الطبيعة، أي أننا ندمر. الطبيعة لنبني لأنفسنا وتسهيل حياتنا.

كم نحن أنانيون في تدمير تلك الطبيعة التي أعطتنا ذات يوم بعضًا من أجزائها حتى نعيش بسلام دون أي عناء، تلك الطبيعة التي ألهمتنا في كثير من تصميماتنا وإبداعاتنا المعمارية.

لقد حان الوقت لكي يتغير كل هذا، وأن تؤخذ الطبيعة بعين الاعتبار، من خلال الهندسة المعمارية نفسها.

ويقول المهندس المعماري نيكوس سالينجاروس: «نأمل أن تعتبر الهندسة المعمارية – إلى جانب المنتجات البشرية الصناعية – جزءًا من النظم البيئية الطبيعية. النظام والحياة مترابطان. إن للأشياء الطبيعية نظامًا أساسيًا، والحياة كما نعرفها ونفهمها هي مجرد امتداد لهذا النظام، ولهذا السبب لا يجوز للمرافق البشرية أن تتعارض مع النظام الطبيعي أو تضر به.

وكانت هذه مجموعة من السمات التي تعبر عن أهمية العمارة ودورها البارز في حياتنا طوال الماضي والحاضر، ودورها المتوقع في المستقبل.

شاهد أيضاً..