لوحة الصراخ
تعتبر لوحة “الصرخة” من أغلى اللوحات في العالم. هي لوحة للرسام النرويجي إدفارد مونك الذي رسمها عام 1893م.
بيع لوحة الصراخ
بيعت هذه اللوحة في مزاد في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية.
بدأ المزاد بمبلغ 50 مليون دولار، وخلال 12 دقيقة وصل إلى 119.9 مليون دولار، ذهب إلى الملياردير الأمريكي ليون بلاك، المعروف بشراء العديد من اللوحات.
قصتي مع لوحة الصرخة
في أحد الأيام كنت أحضر درساً في الفن مع أحد الأساتذة الذين علموني في الجامعة، وذكر لوحة الصرخة وفنانها مونك. كانت المرة الأولى التي أسمع فيها عن هذه اللوحة.
قال الأستاذ: هل تعلم كم ثمنها؟ تم بيعها مؤخرا.
وهنا صمت الجميع ولم يعرف أحد ثمنها. تجرأ بعض الطلاب على إطلاق بعض الأرقام التي كانت بعيدة كل البعد عن سعرها الحقيقي. فمنهم من قال مليون دولار، ومنهم من زاد ومنهم من نقص، وسكت الأستاذ ولم يعلق.
وبعد أن صمت الجميع، بقي الأستاذ لفترة قصيرة ثم نطق برقم لم يخطر على بال أحد من الحاضرين. فقال الأستاذ: بيعت بمبلغ 119.9 مليون دولار.
وعندما سمعت سعره صدمت بـ”الصرخة”.
وكنت قريبًا جدًا من الأستاذ الذي كان يحمل بين يديه كتابًا يحتوي على صور لأشهر اللوحات في العالم. وضعت يدي على الكتاب بقوة وكان مفتوحاً على صفحة تظهر فيها إحدى اللوحات الشهيرة والغالية الثمن. فنظر إلي الأستاذ بدهشة، ونظر إلي الطلاب بدهشة من تصرفي، وملأ الصمت القاعة.
كسرت الصمت قائلة: ولكن يا أستاذ كيف يمكن أن تصل لوحة كهذه إلى هذا السعر الباهظ جداً، وكيف يتم تقييم هذه اللوحات والقول إنها تستحق هذه المبالغ الخيالية!
في البداية شعرت أنني خذلت الأستاذ بسؤالي.
رأيته في حيرة من أمره. نظر حوله، وتفقد الطلاب وكأنه يطلب منهم الإجابة على سؤالي.
لقد فهم الطلاب ما يريده الأستاذ، وكلما نظر إلى أحدهم نظر إلى الأرض حتى لا يطلب منه الأستاذ الإجابة.
وبعد أن رأى عجز الجميع أجابني قائلاً:
– أولًا: اللوحة تأخذ قيمتها وتستمدها من فنانها. مجرد سطر عادي كتبه «بيكاسو» على ورقة بيضاء يساوي الملايين، بينما سطر كتبه «المعلم» (يقصدني بكلامه) لا يساوي شيئًا، حتى لو كان أفضل ألف مرة من «خط بيكاسو». الكتابة اليدوية.
ثانياً: أنها تستمد قوتها وقيمتها من رسالة الفنان ومدى انعكاس صدقه وصدق تعبيره في لوحاته. يشعر الفنان بالفنان، ويشعر بصدق اللوحة والتعبير، ويشعر بالرسالة التي يريد أن يرسلها.
…لقد بدت لي الكلمات غامضة بعض الشيء، ووضعي لا يختلف كثيراً عن وضع باقي الطلاب.
ثم سكت ولم أزد على كلمة واحدة. أحسست أن الأستاذ قد أعطاني إجابة أنيقة، لكن المشكلة كانت فيّ. لم أفهم وخشيت أن أسأله أسئلة أخرى ثم يصبح أضحوكة أمام الجميع.
ثم أضاف الأستاذ قائلا وهو يحمل صورة لوحة أخرى قال لي: هل تعتقد أن هذا فن؟ تم بيعها بثمن باهظ، لكن الفنان يحاول فقط أن يلعب دور الفنان. صدقه لا يظهر في اللوحة. فهو لا يعبر عن نفسه. فهو يتخذ شخصية أخرى ليحظى بإعجاب الجمهور ويبيع فنه. ويتغذى عليه.
نظرت إلى اللوحة الجديدة، وأعجبتني حقًا، وقلت في نفسي إنها أفضل بكثير من لوحة مونك. لوحة مونك ليست أكثر من خربشات.
وبعد عودتي إلى المنزل، التقطت عدة صور للوحات مختلفة وبقيت في الغرفة وحدي أحاول أن أجد تلك القوة وتلك القيمة الفنية التي تحدث عنها الأستاذ.
لم أستطع أن أفعل ذلك،
وبعد ذلك قمت بإزالة جميع الصور واحتفظت بصورة الصرخة. ظللت أنظر إليه، وفجأة ظهرت لي أشياء لم أرها. شعرت بنوع من القلق بسبب الخلفية الحمراء وكأن الشمس على وشك الغروب وذلك الرجل الواقف ينظر إلي بعينيه المستديرتين وفمه المفتوح واضعا يديه على خديه كمن فقد شيئا عزيزا عليه و كان الحداد.
اتذكرت لاعبي كرة القدم عندما أضاعوا ركلة جزاء ووضعوا أيديهم على وجوههم !!
نظرت إلى الرجلين خلفه كأنهما يسيران بهدوء، يتحدثان ويستمتعان بغروب الشمس والبحر عن يمينهما.
إنهم يستمتعون وهو يتعذب!
يريد الرسام أن يقول شيئاً، يريد أن يعبر عن شيء يؤلمه، خاصة أنه رسم البحر الذي يرمز إلى القوة والجمال والنقاء، على شكل خطوط ملتوية تجعل ناظر اللوحة يشعر بالدوار.
وبالفعل شعرت وكأن الرسام يريد أن يعبر عن شيء مزعج في شيء لم يعجبه. شعرت بهذه المشاعر الغريبة. أحسست برسالة الرسام لكنني لم أفهمها جيداً.
فقلت في نفسي هذه البداية فقط وربما القادم أفضل.
إقرأ أيضاً:
الفنان “فان جوخ”
وبعد أيام قليلة، حصلت على كتاب عن الموضوع، وفرحت به قبل أن أبدأ بقراءته لأنني رأيت صوراً لأعمال الفنان الهولندي فان جوخ، وسمعت عنه منذ صغري. لقد قيل لي أنه قتل نفسه. أخبرني عمي بذلك، وهو فنان موهوب جداً ويجيد الرسم والنحت. إنه أحد أعظم الفنانين الذين رأيتهم في حياتي، وعملت معه في وقت ما، وعلمت خلالها أنه يمكن أن يكون فنانًا عالميًا دون أي ادعاء.
وفي أحد الأيام سألت عمي كيف تعلمت هذا الفن فقال لي إنها مجرد موهبة. لم يدخل كلية الفنون الجميلة ولم يدرس في أعرق الجامعات في العالم.
أخذت الكتاب وتعرفت على حياة فان جوخ. لقد كانت بائسة حقًا.
كان موهوباً وعرف ذلك، عرف قدراته وقيمته، ومع ذلك عاش حياته فقيراً وبائساً.
يرى فنانين آخرين وصلوا إلى المستوى العالمي، وفي بعض الأحيان لا يملك المال الكافي لكسب لقمة العيش. انها متعبة حقا.
يقول فان جوخ في إحدى رسائله: “أنا أعيش!” ماذا تقصد بذلك؟ لكسب العيش أو يستحق العيش. أن يكون الإنسان غير مستحق لعيشه، أي أنه لا يستحق خبزه، فهذا ما نسميه جريمة، وكل إنسان شريف يستحق خبزه اليومي، لكنه لا يكسبه على الإطلاق بما يستحقه. فتلك مصيبة وبلاء عظيم».
لقد توصلت إلى صور لبعض أعمال فان جوخ. هناك لوحات مشرقة وهناك لوحات أخرى معاكسة تماما. إنها تعكس تقلباته المزاجية وصراعاته النفسية.
نظرت إلى الصورة تلو الصورة وتفحصت اللوحات، ومع كل لوحة شعرت بفان جوخ. فهمت ما أراد فان جوخ قوله، وأحسست أنه يعبر عن مشاعره وأحاسيسه من خلال تلك اللوحات التي لا تتكلم.
كان يستطيع أن يأخذ قلمًا ويكتب وسيفهمه الجميع، لكن مع هذه اللوحات لن يفهمها إلا من يعرف كيف يستجوبها، ولهذا السبب تباع هذه اللوحات بملايين الدولارات.
لسوء حظ فان جوخ، بعد وفاته، بيعت أعماله بملايين الدولارات. وكان لانتحاره الأثر الكبير في ارتفاع أسعار أعماله. لقد كانت نقطة التحول، لكن دون أن يعيشها أو يراها، عاش بائسا ومات أيضا، وحتى بعد وفاته شعر الناس بحظه السيئ.
إقرأ أيضاً:
لا أستطيع أن أقول ما إذا كانت هذه اللوحات تستحق كل هذه الملايين. أعتقد أننا نستطيع أن نجعلها ذات قيمة دون أن نبيعها بكل هذه الأموال الباهظة، لكن ما أعرفه هو أنني أستطيع الآن فهم تلك اللوحات دون الحاجة إلى من يفهمني. وهي لغة جديدة ومن نوع مختلف أضفتها إلى الأمازيغية والعربية والفرنسية.
شاهد أيضاً..