تطور رسم الخرائط – الجزء الثاني
ونواصل ما بدأناه في الجزء الأول من مقال عن كل حضارات العالم منذ العصور القديمة (الألواح الطينية) حتى عصرنا الحديث الذي وصل إلى خرائط فضائية متقدمة ودقيقة للغاية..
تطور علم الخرائط (الجزء الثاني)
-
الخرائط اليونانية (اليونانية)
تطور رسم الخرائط في عهد الإغريق (اليونان)…
أخذ “اليونانيون الأوائل” فكرة الخرائط عن “البابليين”، وتقدمت العلوم الجغرافية على أيديهم عندما بدأوا يجوبون البحار ويقيمون المستعمرات والمستوطنات. وكانت مدينة “ميليتوس” اليونانية وحدها تضم ستين مدينة تابعة لـ (المدينة الأم) منتشرة بين الشاطئ الشرقي لإسبانيا وأقصى شمال سواحل البحر. أسود،
وبهذا النشاط السياسي والتجاري الكبير، أصبحت ميليتس مركزًا لنشاط علمي غني، ظهر أثره في العلوم الجغرافية، بما في ذلك رسم الخرائط.
ويتضح من خرائط ذلك العصر أن صورة العالم عند الجغرافيين اليونانيين كانت مشابهة لما تخيله البابليون من قبل: قرص مستدير من الأرض تحيط به مياه البحر المحيط به، وفي وسط الأرض وضع اليونان. ومما يؤخذ من تلك الخرائط تصور أن العالم يتكون من قارتين: أوروبا والآسيان، وأن بحر قزوين متصل بالبحر المحيط به.
ومن أوائل من كتبوا عن الجغرافيا ورسموا خرائط العالم المعروف في تلك الحقبة طاليس وأناكسيمندر وهيكاتايوس، حوالي عام 500 قبل الميلاد. طاليس المالطي هو مؤسس المدرسة الأيونية (580 قبل الميلاد)، وهي المدرسة الأولى. مما ساهم في الجغرافيا العملية. ومن المعروف أنه زار مصر وأسس علم الهندسة القياسية على أساس القواعد العملية لمسح الأراضي. وكان يعتقد أن الأرض كانت على شكل قرص يطفو في الماء.[1].
اكتشف اليونانيون فيما بعد أن الأرض لم تكن على شكل قرص، بل كانت في الواقع كروية الشكل. وبحسب ما جاء في كتاب “علم الفلك والفضاء”، فمن المرجح أن فكرة كون الأرض كروية تعود إلى أيام فيثاغورس. اكتشاف جديد ساعد في تطور علم رسم الخرائط وأدى إلى انفجاره. تم رسم الخرائط بناءً على علم الفضاء والفلك والرياضيات. كما تم هذه المرة رسم خرائط عالمية لما كان معروفا في ذلك الوقت على هذه الأرض.
ومن أشهر خرائط العالم اليونانية “خريطة هيرودوت” حوالي عام 450 قبل الميلاد، والتي رسمها بناءً على معلومات جغرافية حقيقية جمعها من البحارة.
وأيضا “خريطة إراتوستينس” حوالي 200 قبل الميلاد. وكان أمينًا لمكتبة الإسكندرية في ذلك الوقت، وقام بأول محاولة علمية لحساب محيط الأرض.
أما رائد علم رسم الخرائط فهو العالم الكبير “بطليموس” (حوالي 100 قبل الميلاد)، الذي ظلت نظرياته في الجغرافيا والخرائط قائمة أربعة عشر قرنا حتى حلت محلها نظريات نيوتن في العصر الحديث.[2].
-
الخرائط الرومانية
بدأ الرومان خرائطهم بتصوير العالم كما صوره البابليون والصينيون والإغريق الأوائل من قبل، على شكل قرص دائري بعد أن جعلوا روما مركز هذا القرص، وأهملوا خطوط الطول والعرض.[3].
كان من المفترض أن يصنع الرومان خرائط جيدة، إذ كان لديهم مساحين ماهرين للغاية، لكن ما بقي لإظهار إضافاتهم في رسم الخرائط هو عدد قليل من الخرائط التخطيطية والخرائط التفصيلية للمدن، مثل خريطة “خطة روما”.
لم يكن الرومان مهتمين بالأفكار اليونانية المتعلقة بإسقاطات الخرائط أو تحديد الأماكن باستخدام خطوط الطول ودوائر العرض. ومن المعروف من مراجعهم في كتاباتهم عن خريطة العالم أنهم عادوا إلى الفكرة القديمة للأرض كقرص مسطح مستدير. لقد رسموا خريطة العالم على شكل دائرة تتوسطها إمبراطوريتهم التي كانت تشمل سواحل البحر الأبيض المتوسط، في مبالغة كبيرة. وقد وضعوا آسيا (التي تقع في الشرق) في أعلى الخريطة، فأصبح الشرق في أعلى الخريطة (ومن هنا جاء تعبير التوجه)، وهو الأمر الذي أخذه رسامو الخرائط منهم في العصور الوسطى عندما اتفقوا مع معتقداتهم المسيحية.
وفي الواقع، كان الرومان أشخاصًا عمليين، حيث كانوا يهتمون بالطرق وخرائطهم أكثر من أي شيء آخر. لقد صرح علماء التاريخ بصراحة أن الرومان “غزوا العالم بدون خرائط، لكنهم استخدموا الخرائط لحكم هذا العالم”. ومن أهم إضافاتهم لهذا الموضوع لوحة «بوتنجر»، التي سميت على اسم شخص ألماني كان يمتلكها في القرن السادس عشر. وهي ليست خريطة بالمعنى المعروف، بل هي نوع من الرسوم البيانية التي تظهر الطرق على شكل خطوط مستقيمة. يعود تاريخ هذه اللوحة إلى القرن الثالث الميلادي. وهي لوحة (طولها 21 قدماً وعرضها قدم واحدة)، رسمت عليها الطرق الرومانية، موضحة المسافات بين الأماكن المختلفة. ومع ذلك، لا توجد أي محاولة لإظهار الاتجاهات. على أية حال، فهو غني بالمعلومات ويتضمن الكثير من المعلومات. أسماء الأماكن. ومن الطريف أن نجد في أيامنا هذه خرائط طريق مبسطة من هذا النوع، والتي تنشرها هيئات نوادي السيارات في مختلف دول العالم.[4].
هاتان المرحلتان من تطور رسم الخرائط كانتا الجزء الثاني من “تطور رسم الخرائط من الألواح الفخارية إلى صور الأقمار الصناعية”، تابع الجزء الثالث.
المراجع:
[1] حسام الدين جاد الرب، أصول رسم الخرائط، ص21. 23.
[2] – جمعة محمد داود، مقدمة في الخرائط، ص٢٤. 3.
[3] – سامي بن عبد الله المغلوث، أطلس تاريخ الأنبياء والمرسلين، ص٢٤. 14.
[4] – محمد محمد ساتحة، الجغرافيا العملية وقراءة الخرائط، ص29-30.
تابع من “التطور التاريخي لرسم الخرائط بين جميع حضارات العالم”
تابع من “التطور التاريخي لرسم الخرائط بين جميع حضارات العالم”
شاهد أيضاً..