تطور رسم الخرائط – الجزء الثالث
ونواصل ما بدأناه في الجزء الأول والجزء الثاني من مقال عن جميع حضارات العالم منذ العصور القديمة (الألواح الطينية) حتى عصرنا الحديث الذي وصل إلى خرائط فضائية متقدمة ودقيقة للغاية.
تطور علم الخرائط (الجزء الثالث)
-
الخرائط الأوروبية في العصور الوسطى
لم يهتم الجغرافيون الأوروبيون في العصور الوسطى بالحقيقة العلمية المتمثلة في أن الأرض كروية الشكل. بل أيدوا القول الآخر بأن الأرض كانت على شكل قرص محاطة بالماء. ويعود ذلك بحسب المؤرخين إلى دينهم المسيحي، وتمسكهم ببعض النصوص التي جاءت في كتبهم المقدسة.
ولم تؤثر معتقداتهم الدينية على رأيهم في الأرض وشكلها فحسب، بل أثرت أيضًا على الخرائط وشكلها. سنرى في هذا العصر الزمني خرائط على شكل قرص محاطة بالمياه، ومثل غيرها من الحضارات التي جعلت بلادها مركز الأرض، جعل الأوروبيون في العصور الوسطى القدس مركز الأرض. وفي كتاب بين الدين والعلم لأندرو ديكسون وايت: “يذكر كتاب حزقيال أن القدس (القدس) تقع في مركز الأرض، وجميع أجزاء العالم الأخرى تقع الحفة في المدينة المقدسة”.
وبقي هذا الاعتقاد طوال “عصور الإيمان” واعتبره جميع الناس وحيًا أنزله الواحد القهار ليعرف الناس صورة الأرض من خلال طريقه. وهكذا تم إنتاج خرائط لنا تسمى خرائط “TO”، نسبة إلى الحرفين اللاتينيين (T وO)، لأن المحيطات الموجودة فيها مرسومة على شكل حرف. “O” والبحار على شكل حرف “T”، وتقسم هذه البحار القارات الثلاث. وتظهر قارة آسيا فوق الخريطة، وتظهر القارتان الإفريقية والأوروبية على الجوانب.
وهكذا شهدت هذه الفترة المظلمة نوعًا من الإنكار الأعمى المتعصب لكل الأفكار الجغرافية السليمة التي كانت سائدة قبل المسيحية. سخر الكهنة من فكرة كروية الأرض، فتخيلها بعضهم على شكل مستطيل (الراهب قزما، القرن السادس الميلادي)، يبلغ طوله من الشرق إلى الغرب ضعف عرضه من الشمال إلى الجنوب ويحيط به عن طريق المحيط، ويرتفع في شماله جبل مرتفع، تدور حوله الشمس[1].
-
خرائط العرب والمسلمين
تابع الملونون تطور رسم الخرائط وقدموا مساهمات كبيرة فيه.
وعلى عكس الأوروبيين تماما، كان العرب والمسلمون في العصور الوسطى قد وصلوا إلى مرحلة متقدمة جدا في علم الجغرافيا ورسم الخرائط، وكان ذلك بسبب عدة عوامل، منها معرفتهم بعلم الفلك والمساحة، وإيمانهم بكروية الأرض. الأرض، ورحلاتهم العديدة التي فتحت لهم أبواب اكتشاف العالم.
كان العرب يؤمنون بكروية الأرض، وقد ورد في معظم الكتب ما يشير إلى أن الأرض كروية مثل دوران الكرة، وتوضع في باطن الفلك كالذرة في باطن البيضة. . وقد جاء في كتاب “المسالك والممالك” لابن خردادبة وفي كتاب ابن الفقيه “مختصر كتاب البلدان” نقلاً عن محمد بن موسى الخوارزمي قال ما يلي: “وصورة الأرض كروية مثلها”. دوران الكرة. وهي توضع في جوف الفلك كالذرة في جوف البيضة، والنسيم يدور حول الأرض، يجذبها من كل جوانبها حتى يصل إلى الفلك…”[2].
وتميزت خرائط المسلمين بغياب صور الحيوانات والبشر (بسبب المعتقدات والتفسيرات الدينية)، وقام المسلمون برسم خرائط العالم والمناطق وخرائط المدن.
ومن أشهر الخرائط الإسلامية “خريطة المأمون” وهي خريطة ملونة تتفوق على خريطة “بطليموس”.
وقد عرف المسلمون الخرائط البحرية، مثل تلك الخاصة بـ”السلالة الصفاقسية”.
الإدريسي (493-560هـ) يعتبر من أبرز رسامي الخرائط المسلمين[3].
“الإدريسي” لم يكن أول رسام خرائط عربي ومسلم، بل سبقه “الخوارزمي”، و”البلخي” (صاحب كتاب “صورة الأقاليم”)، و”الاسترخي”، و”الإدريسي” ومن بعده جاء “ابن الوردي” و”الصفاقسي”..
ساهم العلماء بشكل كبير في تطوير الجغرافيا وعلم رسم الخرائط، وزودوا العالم بخرائط أكثر دقة وأقرب إلى الواقع، مما شكل بداية مسار جديد للجغرافيا العالمية.
إقرأ أيضاً:
-
خرائط عصر النهضة
ويظهر التقدم والتطور في علم رسم الخرائط في هذا العصر، حيث أدت الرحلات الاستكشافية الجغرافية التي شهدتها أوروبا إلى اكتشاف مناطق جديدة في العالم لم تكن معروفة من قبل، وهذا ما ساهم في بداية تطور العلم الجغرافيا أكثر وأكثر،،
وهذه المرة، ستكون الخرائط الجديدة ذات قيمة لا تقدر بثمن. قبل ذلك، كانت الخرائط تحتوي على ثلاث قارات فقط، لكن هذه المرة سيتم اكتشاف القارة الأمريكية وإضافتها إلى الخريطة. حدث هذا لأول مرة عام 1507م على يد الرسام الألماني “مارتن فالدسميلر” الذي رسم القارة. أطلق عليها اسم “أمريكا” وهو أول من أطلق عليها ذلك الاسم. وقيل إنه اختار لها هذا الاسم تكريما للبحار الإيطالي “أميريكو فسبوتشي”.
وبعد ذلك ازدهر علم رسم الخرائط وظهرت شخصيات مهمة وظهرت مدارس في هذا المجال مثل المدرسة الإيطالية والمدرسة الهولندية. وهنا يمكن أن نشير إلى موضوع مهم جداً، وهو أول كرة أرضية تم صنعها.
**الكرة الأرضية الأولى
تعتبر الكرة الأرضية التي صنعها مارتن بيهايم أول كرة عرفها العالم على الإطلاق.
الظاهرة الأولى في هذه الكرة هي أنه بحكم كونها كرة فقد افترض صانعها وجود محيط بين السواحل الشرقية لآسيا والسواحل الغربية لأوروبا، حيث انتهى من صنعها في نفس العام الذي قضاه كولومبوس اكتشف العالم الجديد.
أما الظاهرة الثانية فهي أن هناك احتمالا كبيرا بأن تكون جميع الحدود الخارجية للعالم المعروف في مجاله – باستثناء الساحل الأفريقي – قد نقلت من الخرائط السابقة.
الظاهرة الثالثة هي أن صانعي الخرائط لاحقاً حاولوا إدخال اكتشافات جديدة في الإطار الذي وضعه بيهايم. ويبلغ قطر كرة بيهايم 20 بوصة، ويظهر فيها خط الاستواء والمدارين والدائرة القطبية. وينقسم خط الاستواء إلى 360 درجة.[4].
- الخرائط الحديثة في العصر الحديث
لقد وصل تطور علم الخرائط إلى مرحلة متقدمة جدًا في العصر الحديث.
* أجهزة المسح الطبوغرافي
ومع تطور التكنولوجيا ظهرت آلات مسح طبوغرافية دقيقة للغاية، مما مكن المتخصصين من مسح الأراضي بدقة كبيرة وإعداد خرائط دقيقة باستخدام الإسقاطات الخرائطية المبتكرة.
((من المعروف أن الأرض في الحقيقة كروية الشكل، مما يعني أن رسمها على سطح مستو أمر صعب للغاية، ولهذا تستخدم هذه المسقطات، ورغم كل شيء، يبقى في الواقع تشويه لا مفر منه، سواء في المناطق أو الزوايا أو المسافات)).
**صور جوية
ثم بعد ذلك، تحول بعض العلماء إلى القياس التصويري المتري، وهو عبارة عن صور جوية ملتقطة بمساعدة الطائرات، ثم تتم معالجتها ودمجها بواسطة رسامي الخرائط، الذين يقومون بعد ذلك بإعداد ورسم الخرائط باستخدام تلك الصور.
***صور الأقمار الصناعية
ثم تطور رسم الخرائط أكثر فأكثر، وتم التقاط الصور الفضائية باستخدام الأقمار الصناعية. ويعتمد على بيانات آلية يتم قياسها على الطيف المغناطيسي للأرض باستخدام الرادار والأشعة تحت الحمراء وكاميرات الاستشعار عن بعد المتقدمة.
تختلف صورة القمر الصناعي عن الصورة الجوية من حيث أنها تغطي مساحة أكبر من الأرض مقارنة بالصور الجوية.
بفضل تقنيات تفسير الصور الفضائية، أصبح من الممكن الآن الحصول على خرائط دقيقة تغطي مساحات واسعة من الأرض. التنبؤات الجوية والمناخية، ومعرفة الثروات المخبأة في الأرض، مثل: النفط والغاز، بالإضافة إلى مكافحة الحرائق الكبيرة والآفات الأخرى.[5].
كان هذا هو الجزء الثالث والأخير من المقال عن تاريخ تطور رسم الخرائط من الألواح الطينية القديمة الأولى إلى صور الأقمار الصناعية الحديثة. نأمل أن نكون قد أفدناكم، وأن نكون قد قدمنا لكم في هذه الأجزاء الثلاثة معلومات قيمة مفيدة لكم ولأبحاثكم في تطوير علم الخرائط.
تابع الجزء الأول من
تابع الجزء الثاني
المراجع:
[1] – محمد محمود محمدين، الجغرافيا والجغرافيون بين الزمان والمكان، ص٢٤. 131.
[2] – فلاح شاكر أسود، دور العرب والمسلمين في رسم الخرائط، أوراق أبحاث المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول، المجلد الثالث، ص. 189.
[3] – سمير دياب سبيتان، الجغرافيا العسكرية، ص. 154.
[4] – محمد صبحي عبد الحكيم، ماهر عبد الحميد الليثي، رسم الخرائط، ص٢٤. 31.
[5] الأطلس الجغرافي للمملكة العربية السعودية والعالم المرحلة الثانوية. ص 16.
تابع من “التطور التاريخي لرسم الخرائط بين جميع حضارات العالم”
تابع من “التطور التاريخي لرسم الخرائط بين جميع حضارات العالم”
شاهد أيضاً..