الإنسان والرسم

منذ العصور القديمة، حاول الإنسان التعبير عن نفسه ومشاركة معرفته مع الآخرين. وهذه الرغبة العارمة دفعته إلى النقش على الصخور والرسم داخل الكهوف والمغارات.

البداية لم تكن صعبة ولا غامضة. يبدأ الإنسان برسم نفسه ثم محيطه. لقد كانت رسومات سهلة، كما لو كان يحاول أن يجعلها في متناول من يأتي بعده من أمثاله. كان يتمنى أن يكون مفهومًا وبسيطًا، حتى يعرف الأحفاد ما حققه الأجداد. القوة والمعرفة.

كان الإنسان مشغولاً برسم نفسه لصيد الحيوانات المفترسة، فيرميها برماح صنعها وطوّرها شيئاً فشيئاً من أجل قتل الفريسة. أراد أن يقول: “لقد طورت وسيلة الصيد هذه، فأنا صياد ماهر!”

رسم الخرائط المحفزة من قبل البشر

هناك ثلاثة دوافع رئيسية يمكننا القول إنها وراء اهتمام الإنسان برسم الخرائط منذ القدم. وسنستعرضها معكم بشيء من التفصيل..

الدافع الأول: الطبيعة البشرية وغريزة الفضول

الإنسان بطبيعته فضولي ومتسائل، وكان دائمًا يتساءل عن هذا العالم، عن النجوم، عن الشمس والقمر، وقبل كل شيء عن هذه الأرض التي يعيش فيها.

إن الطفل الصغير الذي يُنقل إلى البحر ويرى هذا المخلوق العظيم لأول مرة يتساءل عفوياً: ما وراء كل هذا الماء؟ هل ينتهي هذا الماء؟ فإذا علمناه وشرحنا له أن هناك أرضاً مثل لنا وراء هذا البحر سيتساءل: هل ذهب أحد إلى هناك وكيف نذهب؟ أسئلة قد تبدو عادية للكثير من الناس، لكنها في الحقيقة دافع يدفع الإنسان منذ الصغر نحو اكتشاف هذا العالم.

كل هذه الأسئلة دفعت الإنسان إلى استكشاف الأرض والسعي لمعرفة محيطها ومناطقها وكشف أسرارها وخفاياها. واستكشف الأراضي، وعبر الأنهار والبحار العميقة، وتسلق الهضاب والجبال العالية، ودخل الكهوف والمغارات المنعزلة.

ولم يكن الإنسان أنانياً، بل كلما كتب عن تلك المناظر الرائعة للأراضي القاحلة والبحار الغنية، وصفها وذكر ما فيها.

يقول الجغرافي “ابن حوقل” في كتابه (صورة الأرض): “إن ما دفعني إلى كتابتها وحثني على تصنيفها، وشدني إلى رسمها، هو أنني كنت لا أزال في حالة الطفولة، شغف بقراءة كتب المسالك، والتطلع إلى السبيل بين الممالك في التاريخ والحقائق، واختلافهم في المذاهب». وطرق ذلك، ومدى حدوثه في الاهتمامات والرسومات، والمعارف والعلوم، والخصوصيات والعموميات.

ولم يكتف الإنسان بذلك، بل حاول هذه المرة أن يرسم كل ذلك ويبسطه للناس حتى يبحثوا عنه، أو يتسابقوا لرؤيته، أو على الأقل يستطيعون تصوره وتخيله.

الدافع الثاني: مساعدة الإنسان في البحث والصيد

ورغم أن الرغبة الجامحة كانت الدافع الأساسي للإنسان لرسم نفسه ومحيطه في البداية، إلا أن الضرورة قامت بدورها فيما بعد، وكما يقال الضرورة أم الاختراع.

عاشت المجموعات البشرية القديمة على الصيد. كانوا مجبرين على البحث عن فرائسهم، وهذا يتطلب منهم السير بعيداً عن أماكنهم. ولكي لا يضلوا طريقهم، رسموا وحددوا هذه الطرق وطوروا خرائط بدائية، لكنها كانت كافية لهذا الغرض.

الدافع الثالث: تحديد الملكية وتحصيل الضرائب

وكان الإنسان بحاجة إلى تحديد مناطقه وضمان أملاكه حتى لا يتعدى بعضها على بعض، فرسموا لأنفسهم خرائط لا يمكن وصفها أيضاً إلا بالبدائية.

ثم جاء الملوك بعد ذلك وساعدوا الناس في رسم هذه الخرائط ووضع هذه الحدود لأغراض اقتصادية تتمثل في جمع الضرائب من المحكومين. وقد برع الفراعنة في ذلك، حيث عملوا على رسم الخرائط وتحديد ممتلكات الشعب ومن ثم جمع الضرائب.

ويقول الدكتور محمد صبحي عبد الحكيم في كتابه (الكارتوجرافيا): “إن الباحثين متفقون على أن مصر عرفت مساحة تفصيلية دقيقة منذ القدم، وكان الدافع الأساسي للاهتمام بها هو تقدير الضرائب التي تحتاجها الحكومة لتغطية مساحة الأرض”. النفقات الباهظة التي يتطلبها النظام”. حكم الفراعنة.

وهذه الأمور الثلاثة هي الدوافع التي دفعت الإنسان إلى رسم الخرائط والعمل على تطويرها. البداية كانت رغبة فطرية وغريزة فضولية، ثم حاجة للمساعدة على البقاء من خلال خرائط الصيد وطرق الصيد، ثم وثائق في أيدي الملوك تساعدهم في تحصيل الضرائب وتقديرها.

وفي المقال القادم سنتعرف على تاريخ تطور رسم الخرائط، من اللوحات الطينية إلى صور الأقمار الصناعية!

أنظر أيضاً..