تطور رسم الخرائط – الجزء الأول
الخرائط وتعريفها
يعرف “عالم” الخرائط على أنه تمثيل لسطح الأرض أو جزء من هذا السطح وذلك لإعطاء صورة حقيقية عن شكل وحجم المساحة التي يمثلها وللدلالة على أهم جوانبها الحقيقية مثل: ارتفاع وتوزيع الأمطار والمنتجات الزراعية والثروة الحيوانية والسكان ومناطق الحرب ومواقع الحدود وغيرها من الجوانب المختلفة.
ويعرّف “اللقاني” وزملاؤه الخريطة بأنها تمثيل لظواهر سطح الأرض أو جزء منه على سطح مستو بمقياس رسم وموقع محدد ورموز محددة.
ويعرف مونشي وزملاؤه الخريطة الجغرافية بأنها تمثيل خرائطي للمعلومات الجغرافية من حيث علاقتها بموقعها الأصلي على السطح، وهو تمثيل يأخذ في الاعتبار الشكل الفعلي للأرض.
ومن خلال هذه التعريفات السابقة يمكن تعريف الخريطة بأنها:
في هذا المقال سنتحدث عن تطور رسم الخرائط بين جميع الحضارات، من “الألواح الطينية الأولى إلى صور الأقمار الصناعية”، ولكن قبل ذلك دعونا نتعرف على علم رسم الخرائط نفسه.
رسم الخرائط
قبل الخوض في تطور رسم الخرائط، ما هي رسم الخرائط، وهل هي فن أيضاً..؟
هو العلم الذي يهتم بدراسة وإعداد الخرائط بمختلف أنواعها، وذلك عن طريق قياس ووصف وتوضيح مكان معين على حامل معين (ورقي، شاشة رقمية…).
“رسم الخرائط” يكون علميا عندما يقيس المكان، وسياسيا عندما يتعلق الأمر بالأرض كمكان احتلال – حدود – ويبقى فنيا عندما يرسم الخرائط.[2].
تطور رسم الخرائط (الجزء الأول)
سنتحدث عن تطور رسم الخرائط (من الألواح الطينية الأولى إلى الصور الفضائية) في ثلاثة أجزاء، وهذا المقال هو الجزء الأول منها. ولنبدأ بمراحل تطور علم الخرائط منذ القدم…
-
الخرائط البابلية
إن استخدامنا لكلمة خرائط للتعبير عن معنى هذه المحاولات القديمة قد يبدو غير دقيق، لكن الأمر ليس أكثر من محاولة لتحديد نقطة البداية في تاريخ تطور علم رسم الخرائط.
وذلك لأن ميلاد الخرائط كعلم وفن لا يمكن تحديده بتاريخ محدد. نشأ هذا الفن وتطور من أصول غامضة.
وأقدم محاولة ذكرها التاريخ في هذا المجال هي محاولة “البابليين”. وتميزت حضارة “البابليين” عن العصور القديمة باهتمامها بعلم الفلك والرياضيات.
تم إنشاء خرائط البابليين في المقام الأول لتقدير الضرائب وتم نقشها على ألواح من الطين المحروق.
أقدم خريطة بابلية هي الخريطة الموجودة في المتحف السامي في جامعة هارفارد، والمعروفة باسم لوح “جسور”، والتي تم اكتشافها في مدينة “جسور” شمال بابل، ويعود تاريخ إنشائها إلى عام 2500 ق.م. .
هذه اللوحة عبارة عن لوحة صلصالية صغيرة لا تتجاوز مساحتها 7 × 9 سم. ويظهر فيها وادي نهر يتجه من الشمال إلى الجنوب، وتحيط به من الجانبين رموز تمثل المرتفعات. يصب النهر من خلال ثلاثة جداول في البحر أو البحيرة. ونلاحظ أيضًا بعض الرموز التي تعطينا الاتجاهات الأصلية على الخريطة.
كما يوجد في المتحف البريطاني عدة لوحات تمثل المناطق والمدن البابلية. تم عمل هذه الخرائط بدقة أقل، وبالتالي فإن قيمتها تاريخية أكثر منها فنية. [3].
-
الخرائط المصرية
يتقدم تطور علم الخرائط شيئًا فشيئًا مع الحضارة المصرية (الفرعونية) القديمة.
تعد الخرائط المصرية القديمة أولى الخرائط في العالم التي تم رسمها على أساس عمليات المسح السابقة، إذ كان لا بد من تحصيل الضرائب لتحديد مساحات الأراضي المزروعة من خلال عمليات المسح ورسم الخرائط على أساسها.
ولعل أول من رسم خريطة الإمبراطورية المصرية القديمة هو رمسيس الثاني (1338-1300 قبل الميلاد).
وعثر على عدة لوحات توضح حدود المحافظات وحدود الأحواض الزراعية، بالإضافة إلى قوائم توضح أبعادها. وقد استفاد الجغرافي اليوناني إراتوستينس من هذه القياسات عندما حدد المسافة بين الإسكندرية وأسوان لتقدير طول الخطوة العريضة وبالتالي محيط الأرض.
ولعل أقدم خريطة مصرية موجودة هي تلك المرسومة على ورقة البردي والمحفوظة في متحف تورينو بإيطاليا، ويرجع تاريخها إلى عام 1320 قبل الميلاد. ويظهر أحد مناجم الذهب المصرية في النوبة، ويظهر أهم الظواهر الموجودة في المنطقة المحيطة بالمناجم مثل الطرق والوديان والجبال والمباني المختلفة.
ولعل من الأسباب التي حالت دون اكتشاف العديد من الخرائط المصرية القديمة هو أن معظم هذه الخرائط تم رسمها على ورق البردي، وهي كما نعلم مادة سريعة التلف والتلف، وقد يختلف عمرها عن الفخار الذي صنعه المصريون القدماء. وكان “البابليون” يسجلون خرائطهم عليهم. [4].
-
الخرائط الصينية
موقع الصين المنعزل عن العالم أثّر في تكوين شخصيتهم وحضارتهم المستقلة، وبالتالي فإن الخرائط الصينية القديمة مستقلة فنياً عن الخرائط الأخرى، وكأنهم سكان كوكب آخر! كما وصلت إلى درجة كبيرة من التقدم والإتقان في وقت لم تكن الخرائط الأوروبية معروفة بعد.
وكان الدافع للاهتمام برسم الخرائط في الصين هو أنه كان لزاماً على كل حاكم أن يكون لديه وصف طوبوغرافي للصين يوضح تضاريسها وأنهارها وبلادها وطرقها، مصحوباً بالخرائط اللازمة.
وعلى الرغم من وجود ثروة كبيرة من هذه الخرائط القديمة في أرشيفات العديد من المدن الصينية، إلا أن هذه الثروة لم تتم دراستها بشكل كامل بعد. ويعود أقدم مرجع للخرائط الصينية إلى عام 227 قبل الميلاد، وقد ورد ذكرها في كتابات “سوماشين”، خاصة بعد أن اخترت صناعة الورق في أواخر القرن الأول الميلادي. قام برسم عدة خرائط محلية لبعض أجزاء الإمبراطورية الصينية[5].
ثم تطور علم الجغرافيا والخرائط أكثر في الصين، خاصة مع هسيه تشوانغ الذي عاش بين عامي 421 و466م، والذي صنع خريطة خشبية لجميع مناطق الصين بمساحة عشرة أقدام مربعة.
ثم جاء تشيتان الذي عاش بين عامي 730م و805م، والذي رسم خريطة مساحتها ثلاثون قدمًا مربعًا لمعظم قارة آسيا.
وبعد استعراض الدور الصيني في تطوير علم الخرائط نجد أنه من الصعب جداً على الباحث الذي يدرس الجغرافيا القديمة ألا يستعرض الدور الكبير الذي لعبه العلماء والقادة الصينيون.[6].
كانت هذه المراحل الثلاث لتطور رسم الخرائط هي الجزء الأول من “تطور رسم الخرائط من الألواح الطينية إلى صور الأقمار الصناعية”.
المراجع:
[1] – عدنان أحمد أبودية، الأساليب المعاصرة في تدريس الدراسات الاجتماعية، ص. 190.
[2] -باتريك بيكويت، الخريطة تخترع العالم، ص37.
[3] – محمد صبحي عبد الحكيم، ماهر عبد الحميد الليثي، رسم الخرائط، ص٢٤. 1-2.
[4] – يسري الجوهري، الخرائط الجغرافية، ص 43-44.
[5] – يحيى محمد نبهان، معجم مصطلحات الجغرافيا الطبيعية والفلكية والسياسية، ص٢٤. 129. (بطريقة يسيرة).
[6] – علي بن عبد الله الدفع، رواد الجغرافيا في الحضارة العربية والإسلامية، ص 31. 33. (بطريقة يسيرة).
تابع الجزء الثاني من “”
تابع إلى الجزء الثالث من “”
شاهد أيضاً..